الاسلام السياسي يتقدم في تونس



رأي القدس
2011-10-25



أكدت النتائج الأولية لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في تونس التي اعلنتها اللجنة المستقلة للانتخابات تقدم حزب النهضة الاسلامي، وحصوله على حوالي خمسين في المئة من المقاعد، بينما تراجعت حظوظ الاحزاب العلمانية واليسارية بشكل ملحوظ، باستثناء حزب المؤتمر من اجل الجمهورية الذي يتزعمه الدكتور المنصف المرزوقي الذي حل ثانياً.
تقدم حزب النهضة الاسلامي الذي يتزعمه الشيخ راشد الغنوشي كان متوقعاً بسبب التعاطف والتأييد الشعبيين الكبيرين للحزب في مختلف انحاء تونس، وفي المناطق الريفية على وجه الخصوص، لان الشعب التونسي متدين بالطبيعة، مضافاً الى ذلك ان الاسلاميين كانوا الأكثر تعرضاً للاضطهاد والتعذيب في السجون في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، ومن قبله الرئيس حبيب بورقيبة اللذين حرصا على تكريس التوجه العلماني لتونس الحديثة ومنع الاحزاب او التكتلات الاسلامية بكل الوسائل القمعية.
حزب النهضة سيكون الأكثر تأثيراً وسيطرة على المجلس الوطني التأسيسي، والمهام الرئيسية التي سيتولاها، ومن ابرزها وضع دستور للبلاد واختيار رئيس للجمهورية ورئيس للوزراء. ومازال من غير المعروف ما اذا كان السيد الغنوشي سيتولى رئاسة هذا المجلس، ام انه سيعهد بهذه المهمة الى احد نوابه او رؤساء الكتل الاخرى المتحالفة معه مثل المؤتمر الجمهوري الذي يتزعمه السيد المرزوقي.
واللافت ان الحزبين الاكثر تعرضاً للاضطهاد احتلا المركزين الأول والثاني، وهذا لا يعني ان بعض قادة الاحزاب اليسارية والشيوعية لم يتعرض للاضطهاد والسجن في عهد الرئيس السابق، ولكن القدرة التنظيمية العالية للحزبين المذكورين في حشد الانصار والمؤيدين، والدور الكبير للمساجد، بالاضافة الى اللهجة المعتدلة التي وردت في البرامج السياسية، كلها عوامل لعبت دوراً كبيراً في هذه النتائج الجيدة.
ويخشى الكثير من العلمانيين من فوز حزب النهضة الاسلامي من حيث التأثير على بعض المكتسبات الليبرالية للمرأة والمجتمع التونسي، ولكن الشيخ راشد الغنوشي حرص طوال الاشهر الاخيرة على تبديد هذه المخاوف في مقابلاته الصحافية، عندما ركز على عدم معارضته للشواطئ المختلطة وارتداء النساء لملابس البحر (البكيني) واحترامه لقانون الاحوال الشخصية الذي يمنع تعدد الزوجات.
هذه التطمينات حققت بعض النجاح، ولكن مازالت هناك بعض الشكوك حول مدى جديتها ولكن الخبراء في الشأن التونسي يحرصون على التأكيد بانها تطمينات جدية بالنظر الى اعجاب حزب النهضة وزعيمه بمحاكاة نموذج حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان من حيث ابقاء النظام العلماني الذي اسسه اتاتورك على حاله، وعدم احداث اي تغييرات في اسلوب الحياة الليبرالي في البلاد.
تونس بلد متدين ولكنه ليبرالي في الوقت نفسه، والشيخ راشد الغنوشي يدرك ان اي محاولة لتغيير نمط الحياة المتبع لعقود، ربما يعطي نتائج سلبية على البلاد واقتصادها الذي يعتمد بالدرجة الاولى على السياحة الاوروبية، والصادرات الصناعية والزراعية لأوروبا، علاوة على بعض القروض والتسهيلات المالية الغربية.
صحيح ان بعض الجماعات الاسلامية المتشددة اقدمت على بعض الممارسات العنفية مثل محاولة اقتحام قناة 'نسمة'، والاقدام على حرق منزل صاحبها لان القناة الليبرالية بثت شريطاً لمخرجة ايرانية يتطاول على الاسلام والذات الالهية، ولكن هذه الجماعات لا تمثل الا شريحة صغيرة في اوساط التيار الاسلامي، حسب الخبراء في الشأن التونسي.
وربما يفيد التذكير بان هذه الانتخابات في تونس التي فاقت نسبة المشاركة فيها التسعين في المئة هي خطوة اولى على طريق الديمقراطية، ولانتخاب مجلس تأسيسي مؤقت لمدة عام، ولذلك من الصعب المبالغة في نتائجها، وان كانت عكست حقيقة المزاج العام للشعب التونسي ونظرته نحو نخبته السياسية.
تقدم الاسلاميين قد يشكل الاختيار الأصعب بالنسبة اليهم لانه سيضعهم في الواجهة، ويجعل الانظار تتسلط عليهم وتراقب اداءهم، خاصة اذا دخلوا في معترك السلطة، كما انه يشكل درساً للقوى الليبرالية والعلمية حول كيفية قراءة الخريطة الشعبية التونسية قراءة صحيحة.
الشعب التونسي قدم سابقتين للامة العربية، الأولى عندما اطلق الشرارة الاولى للتغيير الديمقراطي في الوطن العربي، والثانية عندما بدأ الخطوة الأهم في تأصيل وتشريع هذا التغيير بانتخابات حرة نزيهة وشفافة في اجواء حضارية مسؤولة


http://samialamin.over-blog.fr
Print Friendly and PDF

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

La Russie veut réaliser le rêve de la Grande Eurasie

La voiture qui fonctionne a l'eau au japon

Nouveau scandale sanitaire en vue

Syrie : Les sanctions de l’Occident sont l’autre visage du terrorisme.

Restriction de prescription de l’azithromycine du traitement du Pr. Raoult : une stratégie du gouvernement pour éviter des poursuites judiciaires ?

Facebook peut-il changer les résultats d’une élection ? Et que faire avec cela ?